تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء)من الآية 11 الى الآية13آيات المواريث
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)} ونعم الرب خالقنا؛ إنه يوصينا في أولادنا، سبحانه رب العرش العظيم، كأننا عند ربنا أحب منا عند أبائنا. وقوله الكريم: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} توضح أنه رحيم بنا ويحب لنا. ومادة الوصية إذا ما استقرأناها في القرآن نجد- بالاستقراء- أن مادة الوصية مصحوبة بالباء، فقال سبحانه: {ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13] وقال الحق أيضا: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ} [لقمان: 14] كل هذه الآيات جاءت الوصية فيها مصحوبة بالباء التي تأتي للإلصاق. لكن عندما وصّى الآباء على الأبناء قال: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} فكأن الوصية مغروسة ومثبتة في الأولاد، فكلما رأيت الظرف وهو الولد ذكرت الوصية. وما هي الوصية؟ إنها {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} وقلنا من قبل: إن الحق قال: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} [النساء: 7] ولم يحدد النصيب بعد هذه الآية مباشرة إلا بعد ما جاء بحكاية اليتامى وتحذير الناس من أكل مال اليتيم، لماذا؟ لأن ذلك يربي في النفس الاشتياق للحكم، وحين تستشرف النفس إلى تفصيل الحكم، ويأتي بعد طلب النفس له، فإنه يتمكن منها. والشيء حين تطلبه النفس تكون مهيأة لاستقباله، لكن حينما يعرض الأمر بدون طلب، فالنفس تقبله مرة وتعرض عنه مرة أخرى. ونلحظ ذلك في مناسبة تحديد أنصبة الميراث. فقد قال الحق سبحانه أولا: {لرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} [النساء: 7] وعرض بعد ذلك أمر القسمة ورعاية اليتامى والمساكين وأولي القُربى، ثم يأتي الأمر والحكم برعاية مال اليتيم والتحذير من نهبه، وبعد ذلك يقول: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُم} ويأتي البند الأول في الوصية {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} ولماذا لم يقل (للأنثيين مثل حظ الذكر). أو (للأنثى نصف حظ الذكر)، هذه معان يمكن أن تعبر عن المطلوب. لقد أراد الله أن يكون المقياس، أو المكيال هو حظ الأنثى، ويكون حظ الرجل هنا منسوبا إلى الأنثى، لأنه لو قال: (للأنثى نصف حظ الرجل) لكان المقياس هو الرجل، لكنه سبحانه جعل المقياس للأنثى فقال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين}. والذين يقولون: هذا أول ظلم يصيب المرأة، نريد المساواة. نقول لهم: انظروا إلى العدالة هنا. فالذكر مطلوب له زوجة ينفق عليها، والأنثى مطلوب لها ذكر ينفق عليها، إذن فنصف حظ الذكر يكفيها إن عاشت دون زواج، وإن تزوجت فإن النصف الذي يخصها سيبقى لها، وسيكون لها زوج يعولها. إذن فأيهما أكثر حظا في القسمة؟ إنها الأنثى. ولذلك جعلها الله الأصل والمقياس حينما قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} فهل في هذا القول جور أو فيه محاباة للمرأة؟ إن في هذا القول محاباة للمرأة؛ لأنه أولا جعل نصيبها المكيال الذي يُرد إليه الأمر؛ لأن الرجل المطلوب منه أن ينفق على الأنثى، وهي مطلوب لها زوج ينفق عليها. إذن فما تأخذه من نصف الذكر يكون خالصا لها، وكان يجب أن تقولوا: لماذا حابى الله المرأة؟ لقد حابى الله المرأة لأنها عرض، فصانها، فإن لم تتزوج تجد ما تنفقه، وإن تزوجت فهذا فضل من الله، ثم يقول الحق: {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك}. وأنا أريد أن نستجمع الذهن هنا جيدا لنتعرف تماما على مراد الحق ومسالك القرآن في تنبيه الأذهان لاستقبال كلام الله. فقد كرم الله الإنسان بالعقل، والعقل لابد له من رياضة. ومعنى الرياضة هو التدريب على حل المسائل، وإن طرأت مشكلات هيأ نفسه لها بالحل، وأن يملك القدرة على الاستنباط والتقييم، كل هذه من مهام العقل. فيأتي الحق في أهم شيء يتعلق بالإنسان وهو الدين، والدليل إلى الدين وحافظ منهجه هو القرآن، فيجعل للعقل مهمة إبداعية. إنه سبحانه لا يأتي بالنصوص كمواد القانون في الجنايات أو الجنح، ولكنه يعطي في مكان ما جزءا من الحكم، ويترك بقية القانون لتتضح معالمه في موقع آخر من القرآن بجزئية أخرى، لأنه يريد أن يوضح لنا أن المنهج الإلهي كمنهج واحد متكامل، وأنه ينقلك من شيء إلى شيء، ويستكمل حكما في أكثر من موقع بالقرآن. وذلك حتى تتعرف على المنهج ككل. وأنك إذا كنت بصدد شيء فلا تظن أن هذا الشيء بمفرده هو المنهج، ولكن هناك أشياء ستأتي استطرادا تتداخل مع الشيء الذي تبحث عن حكم الله فيه، مثال ذلك: مسألة اليتيم التي تتداخل مع أحكام الميراث. وهذه الآية تعطينا مثل هذه المسألة لماذا؟ لأن الله يريد لك يا صلحب العقل الدربة في الإطار الذي يضم الحياة كلها. وما يهمك أولا هو دينك، فلتعمل عقلك فيه، فإذا أعملت عقلك في الدين أعطيت عقلك النشاط ليعمل في المجال الآخر. لكن إذا غرق ذهنك في أي أمر جزئي فهذا قد يبعد بك عن الإطار العام لتنشغل بالتفاصيل عن الهدف العام. وأولادنا من الممكن أن يعلمونا من تجربة من ألعابهم، فالطفل يلعب مع أقرانه (الاستغماية)، ويختبئ كل قرين في مكان، ويبحث الطفل عن أقرانه. ونحن نلعب أيضا مع أولادنا لعبة إخفاء شيء ما في يد ونطبق أيدينا ونترك الإبن يخمن بالحدس في أي يد يكون الشيء، إنها دربة للعقل على الاستنباط، فإن كان الولد سريع البديهة قوي الملاحظة ويمتلئ بالذكاء، فهو يرى يدي والده ليقارن أي يد ترتعش قليلا، أو أي يد ليست طبيعية في طريقة إطباق الأب لها فيختارها، وينتصر بذلك ذكاء الولد، وهذه عملية ترويض للطفل على الاستنباط والفهم، وبذلك تعلم الطفل ألا يأخذ المسائل ضربة لازب بدون فكر ولا دُربة. والحق سبحانه أراد أن تكون أحكامه موزعة في المواقع المختلفة، ولننظر إلى قوله: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} أي أنه إن لم ينجب المورث ذكرا وكان له أكثر من اثنتين فلهن ثلثا ما ترك. أما لو كان معهن ذكر، فالواحدة منهن ستأخذ نصف نصيب الذكر، وإن كانت الوارثة بنتا واحدة، فالآية تعطيها النصف من الميراث {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف} وبقي شيء لم يأت الله له بحكم، وهو أن يكون المورث قد ترك ابنتين. وهنا نجد أن الحق قد ضمن للاثنتين في إطار الثلاث بنات أو أكثر أخذ الثلثين من التركة، هكذا قال العلماء، ولماذا لم ينص على ذلك بوضوح؟ لقد ترك هذه المهمة للعقل، فالبنت حينما ترث مع الذكر تأخذ ثلث التركة، وعندما تكون مع ابنة أخرى دون ذكر، تأخذ الثلث. فإذا كانت مع الذكر وهو القائم بمسئولية الكدح تأخذ الثلث، ولذلك فمن المنطقي أن تأخذ كل أنثى الثلث إن كان المورث قد ترك ابنتين. وهناك شيء آخر، لتعرف أن القرآن يأتي كله كمنهج متماسك، فهناك آية أخرى في سورة النساء تناقش جزئية من هذا الأمر ليترك للعقل فرصة العمل والبحث، يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ وَإِن كانوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] لقد جاء الحق هنا بأختي المورث وأوضح أن لهما الثلثين من التركة إن لم يكن للمورث ولد- ابن أو بنت- فإذا كان للأختين الثلثان، فأيهما ألصق بالمورث، البنتان أم الأختان؟ إن ابنتي المورث ألصق به من أختيه، ولذلك فللبنتين الثلثان، فالإبنة إن كانت مع أخيها فستأخذ الثلث، وإن كانت قد ورثت بمفردها فستأخذ النصف. وإن كانت الوارثات من البنات أكثر من اثنتين فسيأخذن الثلثين، وإن كانتا اثنتين فستأخذ كل منهما الثلث، لماذا؟ لأن الله أعطى الأختين ثلثي ما ترك المورث إن لم يكن له أولاد. ومن العجيب أنه جاء بالجمع في الآية الأولى الخاصة بتوريث البنات، وجاء بالمثنى في الآية التي تورث الأخوات، لنأخذ المثنى هناك- في آية توريث البنات- لينسحب على المثنى هناك. لقد أراد الحق أن يجعل للعقل مهمة البحث والاستقصاء والاستنباط وذلك حتى نأخذ الأحكام بعشق وحسن فهم، وعندما يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ} فمعنى يستفتونك أي يطلبون منك الفتوى، وهذا دليل على أن المؤمن الذي سأل وطلب الفتيا قد عشق التكليف، فهو يحب أن يعرف حكم الله، حتى فيما لم يبدأ الله به الحكم. وقد سأل المؤمنون الأوائل وطلبوا الفتيا عشقا في التكليف {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة} والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس، والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فصله. {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثنتين فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ وَإِن كانوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] وهذه الآية تكمل الآية الأولى. ونعود إلى تفصيل الآية الأولى التي نحن بصدد خواطرنا الإيمانية عنها: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث}. ومعنى ذلك أن المورث إن لم يكن له الأولاد فللأم الثلث، والأب له الثلثان، فإن كان للمورث إخوة أشقاء أولأب أولأم السدس حسب النص القرآني {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ}، وذلك بعد أن تنفذ وصية المورث، ويؤدي الدّين الذي عليه. والوصية هنا مقدمة على الدين؛ لأن الدين له مُطالب، فهو يستطيع المطالبة بدينه، أما الوصية فليس لها مطالب، وقد قدمها الحق للعناية بها حتى لا نهملها. ويذيل الحق هذه الآية: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 11] فإياك أن تحدد الأنصباء على قدر ما تظن من النفعية في الآباء أو من النفعية في الأبناء، فالنفعية في الآباء تتضح عندما يقول الإنسان: (لقد رباني أبي وهو الذي صنع لي فرص المستقبل). والنفعية في الأبناء تتضح عندما يقول الإنسان: إن أبي راحل وأبنائي هم الذين سيحملون ذكرى واسمى والحياة مقبلة عليهم. فيوضح الحق: إياك أن تحكم بمثل هذا الحكم؛ فليس لك شأن بهذا الأمر: {لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً}. وما دمت لا تدري أيهم أقرب لك نفعا فالتزم حكم الله الذي يعلم المصلحة وتوجيهها في الأنصبة كما يجب أن تكون. ونحن حين نسمع: {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} أو نسمع: {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيما} فنحن نسمعها في إطار أن الله لا يتغير، ومادام كان في الأزل عليما حكيما وغفورا رحيما فهو لا يزال كذلك إلى الأبد. فالأغيار لا تأتي إلى الله، وثبت له العلم والحكمة والخبرة والمغفرة والرحمة أزلا وهو غير متغير، وهذه صفات ثابتة لا تتغير. لذلك فعندما تقرأ: {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} أو {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}، فالمسلم منا يقول بينه وبين نفسه: ولا يزال كذلك. والحق يقول من بعد ذلك: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ...}. https://akhawat.islamway.net/forum/u...b21e7207e1.png
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} الأحكام المتقدمة والأمور السابقة كلها حدود الله، وحين يحدّ الله حدودا.. أي يمنع أن يلتبس حق بحق، أو أن يلتبس حق بباطل؛ فهو الذي يضع الحدود وهو الذي فصل حقوقا عن حقوق. ونحن عندما نقوم بفصل حقوق عن حقوق في البيوت والأراضي فنحن نضع حدودا واضحة، ومعنى (حد) أي فاصل بين حقين بحيث لا يأخذ أحد ما ليس له من آخر. والحدود التي نصنعها نحن والتي قد لا ينتبه إليها كثير من الناس، هي نوعان: نوع لا يتعدى بالبناء، فعندما يريد واحد أن يبني، فالأول يبني على الأرض التي هي حق له، ويكون الجداران ملتصقين بعضهما ببعض. وعندما يزرع فلاح بجانب فلاح آخر فكل فلاح يزرع في أرضه وبين القطعتين حد، وهذا يحدث في النفع. لكن لنفترض أن فلاحا يريد أن يزرع أرزا، وجاره لن يزرع أرزا، فالذي لن يزرع الأرز قد تأخذ أرضه مياها زائدة، فالمياه تصلح للأرز وقد تفسد غيره، ولذلك يكون الحكم هنا أن يقيم زارع الأرز حدا اسمه (حد الجيرة) ليمنع الضرر، وهو ليس (حد الملكية) فزارع الأرز هنا ينقص من زراعته مسافة مترين، ويصنع بهما حد الجيرة، حتى لا تتعدى المياه التي يُروي بها الأرز إلى أرض الجار. إنه حد يمنع الضرر، وهو يختلف عن الحد الذي يمنع التملك. إذن فمن ناحية حماية الإنسان لنفسه من أن يوقع الضرر بالآخرين عليه أن ينتبه إلى المقولة الواضحة: (لا تجعل حقك عند آخر حدك، بل اجعل حقك في الانتفاع بعيدا عن حدك)، وهذا في الملكية. وذلك إذا كان انتفاعك بما تملكه كله سيضر بجارك. وكذلك يعاملنا الله، ويقول في الأوامر: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وفي النواهي يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] أي أنك إذا ما تلقيت أمرا، فلا تتعد هذا الأمر، وهذه هي الملكية، وإذا ما تلقيت نهيا فلا تقرب الأمر المنهي عنه . مثال ذلك النهي عن الخمر، فالحق لا يقول: (لا تشرب الخمر)، وإنما يقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه}. أي لا تذهب إلى المكان الذي توجد فيه من الأصل، كن في جانب وهذه الأشياء في جانب آخر. ولذلك قلنا في قصة أكل آدم من الشجرة: أقال الحق: (لا تأكلا من الشجرة)؟ أم قال ولا تقربا هذه الشجرة؟ سبحانه قال: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} [الأعراف: 19] وهذا حد اسمه (حد عدم المضارة) إنه أمر بعدم الاقتراب حتى لا يصاب الإنسان بشهوة أو رغبة الأكل من الشجرة. وكذلك مجالس الخمر لأنها قد تغريك. ففي الأوامر يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا} وهذا ما يتعلق بالملكية. وفي النواهي يقول سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الحديث: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه، ألاوإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». لذلك تجنب حدود الله. مثال ذلك قول الحق: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المساجد تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] إن الحق يأمر المعتكف بالمسجد أنه عندما تأتي له زوجة لتناقشه في أمر ما فعلى المؤمن أن يمتثل لأمر الله بعدم مباشرة الزوجة في المسجد. ولا يجعل المسائل قريبة من المباشرة، لأن ذلك من حدود الله. وسبحانه يقول: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا}. وهنا في مسائل الميراث يقول الحق: {تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك الفوز العظيم} [النساء: 13] وكان يكفي أن يقول الحق: ومن يطع الله. ولكنه قال: {ومن يطع الله ورسوله} من بعد بيان الحدود- وذلك لبيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع حدودا من عنده لما حل، وأن يضع حدودا لما حرم. وهذا تفويض من الله لرسوله في أنه يُشرّع؛ لذلك فلا تقل في كل شيء: أريد الحكم من القرآن. ونرى من يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه حرام حرمناه. هؤلاء لم يلتفتوا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مفوض في التشريع وهو القائل: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] إنه صلى الله عليه وسلم مفوض من الله، وهؤلاء الذين ينادون بالاحتكام إلى القرآن فحسب يريدون أن يشككوا في سنة رسول الله، إنهم يحتكمون إلى كتاب الله، وينسون أو يتجاهلون أن في الكتاب الكريم تفويضا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشرع. هم يقولون: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه. وقولهم لمثل هذا الكلام دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقول، لأنهم لو لم يقولوا لقلنا: يا رسول الله لقد قلت: روي المقدام بن معدي كرب قال: حرم النبي صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وغيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله فما وجدا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله». فكيف يا سيدي يا رسول الله ذلك، ولم يقل أحد هذا الكلام؟ إذن فقولهم الأحمق دليل على صدق الرسول فيما أخبر. ويسخرهم الحق، فينطقون بمثل هذا القول لنستدل من قول خصوم النبي على صدق كلام النبي. والحق يقول: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} والذي يطيع الله ورسوله في الدنيا هو من أخذ التكليف وطبقه ويكون الجزاء هو دخول الجنة في الآخرة. لكن إدخال الجنة هل هو منهج الدين، أو هو الجزاء على الدين؟ إنه الجزاء على الدين، وموضوع الدين هو السلوك في الدنيا، ومن يسير على منهج الله في الدنيا يدخل الجنة في الآخرة، فالآخرة ليست موضوع الدين، لكن موضوع الدين هو الدنيا، فعندما تريد أن تعزل الدنيا عن الدين نقول لك: لم تجعل للدين موضوعا، إياك أن تقول: موضوع الدين هو الآخرة لأن الآخرة هي دار الجزاء، وفي حياتنا نأخذ هذا المثل: هل الامتحان موضوع المناهج، أو أن المناهج يقرأها الطالب طوال السنة، وهي موضوع الامتحان؟ إن المناهج التي يدرسها الطالب هي موضوع الامتحان، وكذلك فالدنيا هي موضوع الدِّين، والآخرة هي جزاء لمن نجح ولمن رسب في الموضوع؛ لذلك فإياكم أن تقولوا: دنيا ودين، فلا يوجد فصل بين الدنيا والدين؛ لأن الدنيا هي موضوع الدين. فالدنيا ُتقابلها الآخرة والدين لهما. الدنيا مزرعة والآخرة محصدة. بهذا نرد على من يقول: إن الدنيا منفصلة عن الدين. ومن يطع الله ورسوله يدخله جنة واحدة أواثنتين أو جنات، وهل دلالة (من) للواحد؟ لا، إن (من) تدل على الواحد، وتدل على المثنى وتدل على الجمع، مثال ذلك نقول: جاء من لقيته أمس ونقول أيضا: جاء من لقيتهما أمس، وتقول ثالثا: جاء من لقيتهم أمس.. إذن ف (من) صالحة للمفرد والمثنى والجمع. والحق هنا لا يتكلم عن فرد هنا أو جمع. كما قلنا في أول الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] على الرغم من أن القياس أن تقول: (إياك أعبد وإياك أستعين). لكن قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ليوضح لنا أن المؤمنين كلهم وحدة واحدة في العبادة. وهناك من يقول إذا دلت: (مَن) على المفرد فقد لحظنا لفظها، وإذا دلت على المثنى أو الجمع فقد لحظنا معناها. ولمن يقول ذلك نقول: إن هذا الكلام غير محقق علميا؛ لأن لفظ (من) لم يقل أحد إنه للمفرد. بل إنها موضوعة للمفرد والمثنى والجمع. فلا تقل: استعمل لفظ (من) مراعاة للفظ أو مراعاة للمعنى، لأن لفظ (من) موضوع لمعان ثلاثة هي المفرد والمثنى والجمع. وقد سألني أخ كريم في جلسة من الجلسات: لماذا يقول الحق سبحانه في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فقلت له: إن سورة الرحمن استهلها الحق سبحانه وتعالى: {الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان} [الرحمن: 1-3] وبعد ذلك قال الحق: {خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [الرحمن: 14-15] وقال سبحانه: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان} [الرحمن: 31] وقال تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] إذن فمن خاف مقام ربه، هو من الجن أو من الإنس، إن كان من الجن فله جنة، وإن كان من الإنس فله جنة أخرى. إذن فمن خاف مقام ربه فله جنتان. وهناك من يقول جنتان لكل واحد من الإنس والجن، لأن الله لا يعاني من أزمة أماكن، فحين شاء أزلا أن يخلق خلقا أحصاهم عدا من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وعامل الكل على أنه مؤمن مطيع، وأنشأ لكل واحد مكانه في الجنة، وعامل سبحانه الكل على أنه عاص، وأنشأ له مقعدا في النار، وذلك حتى لا يفهم أحد أن المسألة هي أزمة أماكن. فإذا دخل صاحب الجنة جنته، بقيت جنة الكافر التي كانت معدة له على فرض أنه مؤمن؛ لذلك يقول الحق: {وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] فيرث المؤمنون ما كان قد أعد لغيرهم لو آمنوا. إذن فالمعاني نجدها صوابا عند أي أسلوب من أساليب القرآن. وهنا يقول الحق: {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ويجب أن نفهم أن النهر هو الشق الذي يسيل فيه الماء وليس هو الماء، الحق يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} فأين تجري الأنهار؟ أتجري الأنهار تحت زروعها، أم تحت بنيانها؟ ونعرف أن الزروع هي التي تحتاج إلى مياه، ونحن نريد أن نبعد المياه عن المباني كيف؟ ولكن ليس هناك شيء مستحيل على الله؛ لأنها تصميمات ربانية. فالخلق قد تشق نهرا، ونجد من بعد ذلك النشع يضرب في المباني، لكن تصميمات الحق بطلاقة القدرة؛ تكون فيه الجنات تجري من تحتها مياه الأنهار، ولا يحدث منها نشع، سواء من تحت أبنية الجنات أو من تحت زروعها والذي يقبل على أسلوب ربه ويسأله أن يفيض عليه ويلهمه، فهو سبحانه يعطيه ويمنحه فالحق مرة يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ومرة أخرى يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأنهار} فهذا ممكن وذاك ممكن. فقوله سبحانه: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأنهار} قد يشير إلى أن الأنهار تكون آتية من موقع آخر وتجري وتمر من تحت الجنات. لا. هي تجري منها أيضا يقول الله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} حتى لا يظن أحد أن هناك من يستطيع أن يسد عنك المياه من أعلى. إنها أنهار ذاتية. وعندما نقرأ أن الأنهار تجري من تحت الجنات بما فيها ومن فيها من قصور فقد يقول قائل: ألا أستطيع أن آخذ من هذه وأنا مهندس أضع تصميمات مباني الدنيا وآخذ من قول الحق إنه من الممكن أن تقيم مباني تجري من تحتها الأنهار؟ وبالفعل أخذ البشر هذا الأمر اللافت. نحن نقيم القناطر وهي مبان وتجري من تحتها الأنهار، وعندما تكون المواصفات صحيحة في الطوب والاسمنت إلى آخر المواصفات فلا نشع يحدث ولا خلخلة في المبنى. فالخلل الذي يحدث في المباني عندنا، إنما يأتي من آثر الخيانة في التناول. ومن الممكن أن تجري الأنهار تحت قصور الجنة. التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ألا يوحي ذلك للمهندس المسلم أن يحيا في هذه اللفتة الإلهية ويأخذ منها علما ويستطيع أن يقيم مباني تجري من تحتها الأنهار؟ لو تنبهت إلى ذلك إيمانية مهندس وأخذ يتعلم عن ربه كيفية أداء العمل. لفعل ذلك بتوفيق الله. ولنتكلم على مصر التي تعاني من أزمة إسكان، ونجد أن المساحة المائية تأخذ قدرا كبيرا من الأرض، سواء أكانت النيل، أم الفروع التي تأخذ من النيل، وكذلك الترع الصغيرة وكذلك الطرق فلو أن هناك هندسة إيمانية لاستغلت المساحات والمسطحات المعطلة، نقيم عليها مباني تسع مرافق الدولة كلها، ويتم إنجاز المباني فوق الطرق وفوق المياه وفوق المصارف. وليس معنى ذلك أن نبني كل الأماكن حتى تصير مسدودة بالمباني، ولكن نبني الثلث، ونترك فراغا مقدار الثلثين حتى لا نفسد المنظر، ولا نتعدى على أرض خضراء مزروعة، إنها إيحاءات إيمانية على المهندس المسلم أن يفكر فيها. إن بلدا كالقاهرة تحتاج إلى مرافق مختلفة متنوعة، ونستطيع أن نبني على الفراغات سواء أكانت فراغات في مساحات النيل شرط مراعاة الفراغات والزروع اللازمة لجمال البيئة وتنقيتها من التلوث. أم نبني المرافق تحت الأرض، ولن تكون هناك أزمات للإسكان أو المرافق، هذا بالإضافة إلى الانتفاع بالصحراء في هذا المجال. والحق يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا} صحيح أن الجنة ستكون نعيما ليس على قدر تصورك ولكن على قدر كمال وجمال قدرة الحق، فالنعيم الذي يتنعم فيه الإنسان يكون على قدر التصور في معطيات النعيم، وقلنا قديما: إن عمدة إحدى القرى قال: أريد أن أبني مضيفة وحجرة للتيلفون، ومصطبة نفرشها. هذا هو النعيم في تصور العمدة. ونحن في الحياة نخاف أن نترك النعيم بالموت أو يتركنا النعيم. لكن كيف يكون النعيم عند صانع كل التصورات وهو الحق سبحانه وتعالى؟ لذلك تكون جنات النعيم دائمة، فلا أنت تموت ولا هي تذهب. والخلود هنا له معنى واضح إنه بقاء لا فناء بعده {وذلك الفوز العظيم} وما هو (الفوز)؟ إنه النصر، إنه الغلبة، إنه النجاح، إنه الظفر بالمطلوب. فإذا كان فوزنا في الدنيا يعطينا جائزة نفرح بها، فالفرح قد يستمر مدة الدنيا التي يملكها الواحد منا، فما بالنا بالفوز الذي يأتي في الآخرة وهو فوز الخلود في جنة من صنع ربنا، أليس ذلك فوزا عظيما؟ إننا إذا كنا نفرح في الدنيا بالفوز في أمور جزئية فما بالنا بالفوز الذي يمنحه الحق ويليق بعظمته سبحانه وتعالى، ولو قسنا فوز الدنيا بفوز الآخرة لوجدنا فوز الآخرة له مطلق العظمة، ومهما ضحى المؤمن في سبيل الآخرة، فهناك فوز يعوض كل التضحيات، ويسمو على كل هذا. وإذا قال قائل: ألم يكن من الأفضل أن يقول: ذلك الفوز الأعظم نقول له: إنك سطحي الفهم لأنه لو قال ذلك لكان فوز الدنيا عظيما، لأن الأعظم يقابله العظيم، والعظيم يقابله الحقير فحين يقول الحق عن فوز الآخرة: إنه عظيم، فمعنى ذلك أن فوز الدنيا حقير، والتعبير عن فوز الآخرة هو تعبير من الحق سبحانه. وبعد ذلك يأتي الحق بالمقابل: فيقول: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ...}. https://akhawat.islamway.net/forum/u...7f9f647548.png نداء الايمان |
رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء)من الآية 11 الى الآية13آيات المواريث
بارك الله فيكى ياقلبى
|
رد: تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء)من الآية 11 الى الآية13آيات المواريث
|
الساعة الآن 09:53 PM. |
Powered by vBulletin Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
Trans
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.