Warning: Division by zero in [path]/includes/class_postbit.php(294) : eval()'d code on line 80
تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)145-147( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ - منتدي عالمك
للنساء فقط

القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران,القران الكريم صوت,ادعية و اذكار يوجد هنا قراءة القرآن أدعية أذكار شريفة و أحاديث إسلامية,القران الكريم قراءة,انشطة حفظ القرآن الكريم و التفسير و التجويد,تنزيل القران الكريم على الجوال,القران الكريم بصوت احمد العجمي.

نسخ رابط الموضوع
https://vb.3almc.com/showthread.php?t=31048
378 0
04-06-2023
#1  

افتراضيتفسير الشعراوى(سورة الأعراف)145-147( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ


{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}


والكتْب هو الرقم بقلم على ما يكتب عليه من ورق أو جلد أو عظم أو أي شيء، وعندما يقول ربنا: {وَكَتَبْنَا} فالله لم يزاول الكتابة بنفسه، ولكن أرسله من الملائكة يكتبون بأمر من الحق وهو القائل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ...} [يس: 12].
وكتابة الرسل من الملائكة لأعمالنا هي بالأمر من الله، ومرة ينسب الأمر إلى الأعلى، أو ينسب إلى المباشر أو إلى الواسطة: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً}.
ونحن نعرف الألواح، وكنا نكتب عليها قديماً. وللكتابة على الألواح سبب، فقديماً كانوا يكتبون على أي شيء مبسوط، وتبين لنا الآثار أن هناك كتباً مكتوبة على جلود الحيوانات، مثلاً نجد قدماء المصريين قد كتبوا على الأحجار، مثل حجر رشيد الذي أتاح لنا معرفة تاريخهم. وكان العرب يكتبون على القحف المأخوذ من النخل، وكذلك كتبوا على عظام الذبائح، أخذوا منها قطعة العظم المبسوطة مثل عظم اللوح وكتبوا عليها، وكانت هذه الوسيلة مشهورة جدًّا لديهم، وصار كل مكتوب يسمونه لوحاً. {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ...} [الأعراف: 145].


وقوله سبحانه: {مِن كُلِّ شَيْءٍ} يعني: من كل شيء تتطلبه خلافة الإِنسان في الأرض في الوقت المناسب له؛ فالرسل تأتي بعقيدة، لكن قد يأتي تشريع مناسب للفترة الزمنية التي جاء فيها الرسول، ويضيف الله لرسول آخر يأتي من بعده، إلى أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالمنهج المكتمل إلى قيام الساعة.
لقد أوضح سبحانه أنه كتب في الألواح الموعظة والتفصيل لمنهج الحياة، والموعظة تعني ألاَّ تنشئ حكماً للسامع، بل تعظه بتنفيذ ما عُلِم له من قبل، ولذلك يقال: واعظ وهو الذي لا يُنشئ مسائل جديدة. بل يعرف أن المستمع يعلم أركان الدين ويعظه بما يعلم.
وقوله الحق سبحانه:
{وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أي أن الكلام لم يأت مجملاً، بل يأتي بالتفصيل، ويأمر الحق موسى أن يقبل على الموعظة والتفصيلات التي في الألواح بقوة. ولماذا جاء الأمر هنا بأن يأخذها بقوة؟ لأن الإِنسان حين يؤمر أمراً قد يكون الأمر مخالفاً لرتابة ما ألف، وحين يُنهي نهيا قد يكون هذا النهي مخالفاً لرتابة ما ألف. وبذلك ينزع هذا النهي أو ذلك الأمر الإِنسان مما ألف، ويأخذه ويخرجه عما اعتاد.
إن الإِنسان في هذه الحالة يحتاج إلى قوة نفس تتغلب على الشهوة الرتيبة التي تخلقها العادة، ولذلك فمن يريد أن يقبل على منهج الله فعليه أن يعرف أن المنهج سوف يخرجه مما ألف، ولابد أن يقبل على المنهج بقوة وعزم ليواجه إلف النفس، لأن إلف النفس قد يقول للإِنسان: لا تفعل، والمنهج يقول له: (افعل) وعلى المؤمن- إذن- أن يأخذ التكاليف بقوة، لأن شهوات النفس تحقق متع الدنيا الزائلة، والمنهج يعطي متعة طويلة الأجل.


إن الشهوة قد تحقق للإِنسان لذة على مقدار قدرته واستعداده، لكن التكليف يعطي للمؤمن نفعاً يتناسب مع طلاقة قدرة الله في النفع. إذن لابد أن تشحن نفسك بما يعطيه الله لك من المنهج، وإياك ساعة أن ترى المنهج مطالباً لك ببعض من الجهد أن تقول: إن تلك أمور صعبة لأنك لست وحدك في المنهج، بل معك غيرك. فإذا قال لك: لا تسرق، إياك أن تقول: أيحدد المنهج حريتي؟ لا، لا تنظر إلى أن حظر وتحريم السرقة هو تحديد لحريتك بل هو صيانة لك من أن يعتدي عليك آخرون؛ فقد قال المنهج للناس كلهم لا تسرقوا منه وأنت الكاسب في هذه الحالة. ويتابع الحق بيان ما في الألواح من قيم فيقول سبحانه: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}.


(أحسن) تفيد أن هناك مرتبة أقل منها وهي (حسن)؛ فأمرهم الحق أن يتركوا الحسن ويأخذوا بالأحسن، ونعلم أن الإِنسان من الأغيار، إذا ما أصابته مصيبة من أحد يعتبره غريماً له، فإذا ما كان للإِنسان غريم تحركت نوازع نفسه إلى عقابه بمثل ما أصابه به. وهذا ما يبيحه الله في القصاص، ولكن الله يطلب من المؤمن إن قدر على نفسه أن يعفو، إذن فالعقوبة بالقصاص أو بغيره مادامت مشروعة من الله بمثل ما عوقبت فهذه مرتبة الحسن، لكن إذا تركت نوازع نفسك وعفوت فهذه مرتبة (الأحسن)، وجاءت هذه الترقيات لأن الحق سبحانه وتعالى خلق في الإِنسان عواطف وغرائز، وللعواطف والغرائز مهمة في حركة الحياة، ولكن العواطف لا يمكن أن يسيطر عليها الإِنسان، ولذلك لا يقنن الله للعاطفة ولكنه سبحانه يقنن للغرائز. كيف؟.


نحن نعلم أن (حب الطعام) غريزة، ولكن يجب ألا يصل حب الطعام إلى مرتبة النهم والشره. وأيضاً (بقاء النوع) أو المتعة الجنسية أوجدها الحق من أجل بقاء النوع. لكن لا يصح أن تتحول إلى درجة الشرود والوقوع في أعراض الناس وانتهاك حرماتهم، وحب الاستطلاع غريزة، والذين اكتشفوا الكشوف العلمية جاءت أعمالهم من حب استطلاعهم على أسرار الوجود. لكن لا يصح ولا ينبغي أن يصل حب الاستطلاع إلى التجسس الاستذلالي.


إن للإِنسان غرائز يعليها الشرع؛ أمَّا الحب فهو مسألة عاطفية. فالمشرع، يقول لك: أحبب من شئت وأبغض من شئت، ولكن لا تظلم من أبغضته ولا تظلم الناس لحساب من أحببت.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين قال:
(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين).
فقال عمر: كيف؟.
وكررها رسول الله فعلم عمر- رضي الله عنه- بفطرته أن ذلك أمر تكليفي.
وعرف أن الحب المراد هو الحب العقلي. فيقول المؤمن لنفسه: من أنا لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وكل مؤمن يحب رسول الله حبًّا عقليًّا، وقد يتسامى إلى أن يصير حبًّا عاطفيًّا. والإِنسان منا- كما قلنا سابقاً- يحب الدواء بعقله لا بعاطفته لأنه مُرّ، ولكنه يغضب إن اختفى الدواء من الأسواق ويفرح بمن يأتي له به.


إذن التكليف يتطلب الحب العقلي. ومن أخبار سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عندما مرّ أمامه قاتل أخيه زيد بن الخطاب فقال له عمر: ازو نفسك عني فأنا لا أحبك، فرد الرجل بكل جرأة إيمانية: أو عدم حبك لي يمنعني حقًّا من حقوقي؟. قال عمر: لا، قال الرجل: إنما يبكي على الحب النساء.


والحق يقول هنا: {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} فمثلاً، حين يُقْتَلُ إنسان فلولي الدم أن يقتص، لكن الحق يحنن قلب ولي الدم على القاتل فيقول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف...} [البقرة: 178].
وحين يسمى الحق القاتل أخاً فهو يهدئ من صراع العواطف ويخفف من رغبة الانتقام. ويقول سبحانه أيضاً: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43].
ونجده سبحانه يؤكد أن مثل هذا الأمر من (عزم الأمور) لأنه أمر يتطلب الصبر والمغفرة. ومادام المؤمن قد استطاع أن يصبر وأن يغفر لغريم له، أفلا يصبر إذا نزلت مصيبة عليه بدون غريم كمرض مفاجئ أو افتقاد حبيب؟. من إذن غريمك في المرض؟ وممن تغضب، وعلى من تهيج وإلى أين انفعالك؟ ولذلك يقول لك الحق سبحانه: {واصبر على ما أَصَابَكَ} أي مما لا غريم لك فيه، ويوضح لك سبحانه: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور}. ونلحظ أن الحق هنا لم يؤكد (باللام) لكنه أكد الأخرى (باللام)؛ لأن لك غريماً يهيجك ساعة أن تراه، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق لسيدنا موسى:
{وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}.
يعني إذا وجدت لهم ذريعة ووسيلة وسبباً إلى شيء ويوجد ما هو أحسن فأمرهم أن يأخذوا بالأحسن، لماذا؟؛ لأن الإِنسان إذا روَّض نفسه وذللها وعودها على الأحسن يكون قد فهم عن الله. ونفرض أن واحداً أساء إليك ويمكنك أن تسيء إليه، فعليك أن تراعي في ردك للإِساءة أن تكون بقدرها مصداقاً لقوله الحق سبحانه: {فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ...} [النحل: 126].
ولكن منَ منا يتصف بالدقة في الموازين النفسية حتى يستطيع أن يعرف المثلية بالهوى؟ فإن كان هناك من صفعك وتريد أن ترد الصفعة، فمن أين لك أن تقدر حجم الألم الذي في صفعتك له؟. لا يمكن لك أن تحدد هذا القدر من الألم؛ لأن هذه مسألة تتناسب مع القوة.
إذن لماذا تدخل نفسك في متاهات، ولماذا لا تعفو وينتهي الأمر؟


وحين يدلك الحق على أن العفو أحسن، إنما يريد بذلك أن ينهي شراسة النفوس وضغن الصدور. فحين يقتل إنسانٌ إنسانا آخرَ؛ سيكون هناك قصاص ودم، ولكن إذا عفا وليّ الدم تكون حياة المعفو عنه هبة من وليّ الدم فيستحي القاتل- بعد ذلك- أن يجعل أية حركة من حركات هذه الحياة ضد وليّ الدم أو من ينسب إلى وليّ الدم، وحينذاك تنتهي أي ضغينة أو رغبة في الثأر، ولذلك نجد البلاد التي تحدث فيها الثأرات وتستشري فيها عادة الأخذ بالثأر- مثل صعيد مصر- نجد القاتل إذا ما أخذ كفنه على يده ودخل على وليّ الدم وقال له: أنا جئت إليك.. يعفو عنه وليّ الدم وتفهم العائلة كلها أن حياة المطلوب للثأر صارت هبة من وليّ الدم، وتصفى الثأرات وتنتهي. ولذلك جاء الأمر من الحق بالأخذ بالأحسن: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}. ومثال آخر على الأخذ بالأحسن، قد نجد مديناً غير قادر أن يوفي الدين، هنا نجد الحق يقول: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ...} [البقرة: 280].


اقترض الرجل لأنه محتاج؛ لأن القرض لا يكون إلا عن حاجة، وهو عكس السؤال الذي يكون عن حاجة أو عن غير حاجة، ولهذا نجد ثواب القرض أكثر من ثواب الصدقة؛ لأن المقترض لا يقترض إلا عن حاجة، ولأن المتصدق حين يتصدق بشيء من ماله يكون قد أخرج هذا المال من نفسه ولم يعد يتعلق به. لكن القرض تتعلق به النفس، فكلما صبر المقرِض مع تعلق نفسه بماله أخذ أجراً، وهكذا يكون القرض أحسن من الصدقة.
إذن فهناك حَسَن وهناك أحسن، الحَسَن هو أن تأخذ حقك المشروع، والأحسن أن تتنازل عنه، ومن يتنازلون هم الفاهمون عن الله فهماً واسعاً، ولنا المثل والأسوة في سيدنا الحسن البصري- رضي الله عنه- الذي أحسن لمن أساء إليه فقال كلمته: (ألا نحسن إلى من جعل الله في جانبنا). ودائماً أضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- هب أن إنساناً عنده أولاد وأساء واحد منهم للآخر. نجد قلب الأب يكون مع من أُسي إليه، وكذلك الأمر فينا نحن خلق الله. إن أساء واحد من خلق الله إلى واحد آخر من خلق الله؛ نجد رب الخلق مع من أُسيء إليه، وعلى من أسيء إليه أن يقول: هذا الإِنسان الذي أساء إلي قد جعل ربنا في جانبي ولذلك فهو يستحق أن أحسن إليه. ولهذا يقول الحق سبحانه: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].


وفي آية ثانية يقول الحق: {واتبعوا أَحْسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ...} [الزمر: 55].
ويذيل الحق الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين}.
ودار الفاسقين هي النار، وكأن الحق هنا يقول: سأريكم النار، ونعلم أن كل البشر سيمرون عليها ويرونها، ولكن المؤمنين سيعبرونها ويردون عليها ويدخلون الجنة. ولقائل أن يقول: ولماذا تأتي سيرة النار هنا؟ ونقول: جاءت سيرة النار ليرهب ويخيف النفس ويحملها على أن تبتعد عن كل ما أمر يقرب إلى النار. والقول هنا أيضاً لبني إسرائيل الذين نصرهم الحق على قوم فرعون وأخذوا منهم الكنوز والمقام الكريم. وكأن الحق يقول لهم: إن كنتم تحبون أن يكون مآلكم مثل مآل قوم فرعون فافعلوا مثلهم، وإن كنتم لا تريدون هذا المآل فالتزموا منهج الحق.


إذن فقوله الحق: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} معناه حملهم على ما في الألواح من عظة، وعلى أن يأخذوه بقوة، وعلى أن يتبعة أحسن ما أنزل على الله. أو {دَارَ الفاسقين} هي المدائن التي دمرّت وخربت بتمرد وكفر وعصيان أهلها وفسقهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل الله بكم مثل نكاله بهم، وأنتم تمرون عليها في الغدو والرواح.


تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)145-147( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ


{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}

والآيات جمع آية وهي الأمر العجيب، وتطلق ثلاث إطلاقات، فإما أن تكون آية كونية مثل قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب}، وإما أن تكون آية دلالة على صدق الرسول في البلاغ، وإما أن تكون آية قرآنية فيها حكم من أحكام الله، وهنا يقول الحق: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق...} [الأعراف: 146].


إذن يوضح سبحانه هنا أنه سيصرف الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق عن أن ينظروا نظر اعتبار في آيات الكون، أو أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سيبطل كيدهم في أن يتجهوا للحق بالهدم؛ لأن الواحد من هؤلاء ساعة يرى آية من آيات الله سينظر إليها على أنها سحر، أو شعوذة، أو أن يقول عنها إنها ضمن أساطير الأولين.
إذن وجه الصرف أن يسلط الحق عليه من الكبر ما يجعله غير قادر على وزن الآية بالميزان الصحيح لها، والمتكبر هو من ظن أن غيره أدنى منه وأقل منزلة، ومقومات الكبر قد تكون قوة، لكن ألم يرَ المتكبر قويًّا قد ضعف؟ وقد يكون الثراء من مقومات التكبر، لكن ألم يرَ المتكبر غنيًّا قد افتقر؟ أو يكون المتكبر صاحب جاه، ألم يرَ ذا جاه صار ذليلاً؟.


إذن فمن يتكبر، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً. فإذا ما أردت أن تطبق هذا على البشر فلن تجد واحداً يستحق أن يكون متكبراً أبداً؛ لأنه لا يوجد في الإِنسان خاصية ذاتية فيه تلازمه ولا تفارقه أبداً، بل كلها موهوبة، ومن الأغيار التي تحدث وقد تزول. فكلها من الله وليست أموراً ذاتية؛ لأن القوة فيك إن كانت ذاتية فحافظ عليها، ولن تستطيع. وإن كان الثراء ذاتيًّا فحافظ على غناك أبداً، ولن تستطيع. وإن كانت العزة ذاتية فحافظ على عزتك أبداً ولن تستطيع. إذن فمقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية.
وقوله سبحانه: {يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} يفيد أن هناك كبرياء بحق لمن يملك في ذاته كل عناصر القوة والثراء والجاه والعزة، ولذلك فالكبرياء لله وحده. واعلموا أن كل متكبر في الأرض لا يخطر الله بباله؛ لأنه لو خطر الله بكماله وجلاله في باله لتضاءل؛ لأن الله يخطر فقط ببال المتواضعين من الناس، ولذلك نضرب هذا المثل: إننا نجد من حولنا إنساناً هو الرئيس الأعلى، وهناك رئيس لطائفة ومرؤوس لآخر، وهناك مرؤوس فقط. والرئيس المرؤوس لا يستطيع أن يجلس مع المرؤوسين له بتكبر ويضع ساقاً على ساق ويعطي أوامر؛ لأنه قد يلتفت فيجد رئيسه وقد دخل عليه. فلو فعل الرئيس المرؤوس ذلك لضحك منه المرؤوسون له.


فكذلك الناس الذين لا يستحضرون الله في بالهم نجدهم مثار سخرية، لكن الذين يستحضرون الله الذي له الكبرياء في السموات والأرض لا يتكبرون أبداً.
إنه سبحانه يصرف عن المتكبرين النظر في الآيات الكونية فلا يعتبرون، ويصرف عنهم تصديق الآيات الدالة على نبوة الأنبياء، ويصرف عنهم القدرة على تصديق أحكام القرآن، ويطبع على قلوبهم، فما بداخل هذه القلوب من الكفر لا يخرج، وما في خارج هذه القلوب من الإِيمان لا يدخل. وهم برغم حركتهم في الحياة إلا أن الحق يعجزهم عن رؤية آياته في الكون. {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً...} [الأعراف: 146].
وحين يرى أهل الكبر الآية الكونية أو الآية الإِعجازية أو آيات الأحكام فهم لا يؤمنون بها، وحين يرون سبيل الرشد لا يتخذونه سبيلاً؛ لأن سبيل الرشد يضغط على شهوات النفس وهواها، فينهى عن السيئات وهم لا يقدرون على كبح جماح شهواتهم لأنها تمكنت منهم، ولكن سبيل الغي يطلق العِنان لشهوات النفس، ولا يكون كذلك إلا إذا غفل عن معطيات الإِيمان الذي يحرمه من شيء ليعطيه أشياء أثمن، وهكذا تكون نظرة أهل الكبر سطحية. ونلحظ أن كلمة السبيل تأتي مرة كمذكر كقوله؛ {لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}، ومرة تأتي مؤنثة، فالحق يقول: {قُلْ هذه سَبِيلِي}.
وهنا يقول الحق عن الذين يتبعون سبيل الغي من أهل الكبر: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}. وقديماً قلنا إن الغفلة لا توجب الجزاء عليها؛ لأن الغافل ساهٍ وناس، ولكن هؤلاء صدفوا عن الأمر صدوفاً عقليًّا مقصوداً، لدرجة أنهم لا يعيرون الإيمان أي التفات.

تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)145-147( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ


{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
وقد جاء لفظ الآيات هنا أكثر من مرة، فقد قال الحق: {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا}. ويقول أيضاً: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}. ويقول سبحانه: {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}.
إذن فالمسألة كلها مناطها في الآيات الكونية للاستدلال على من أوجدها، والإِعجازية للاستدلال على صدق مَنْ أرسل من الرسل، والقرآنية لأخذ منهج الله لتقويم واستواء حركة الإِنسان. {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ...} [الأعراف: 147].
ويقال: حبط الشيء أي انتفخ وورم من علة أو مرض. أي أنهم في ظاهر الأمر يبدو لهم أنهم عملوا أعمالا حسنة ولكنها في الواقع أعمال باطلة وفاسدة، وقد يوجد من عمل عملاً حسناً نافعاً للناس، ولكن ليس في باله أنه بفعل ذلك إرضاء لله، بل للشهرة لينتشر ذكره ويذيع صِيتُه ويثني الناس عليه، أو للجاه والمركز والنفوذ. ولذلك حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الشهيد؟. قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
لأن الرجل قد يقاتل حمية، أو ليعرف الناس مثلاً أنه شجاع. إذن فهناك من يعمل عملاً ليفتخر به. ويقال مثلاً: إن الكفار هم من اكتشفوا الميكروب وصعدوا إلى الفضاء. ونقول: نعم لقد أخذوا التقدير من الناس لأن الناس كانت في بالهم، ولن يأخذوا التقدير من الله لأنهم عملوا أعمالهم وليس في بالهم الله. والإِنسان يأخذ أجره ممن عمل له، والله سبحانه وتعالى لن يضيع أجر أعمالهم الحسنة، بل أعطى لهم أجورهم في الدنيا، لكن حرث الآخرة ليس لهم. {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا...} [الشورى: 20].


فمن زرع وأحسن اختيار البذور، واختيار التربة وروى بنظام يأتي له الزرع بالثمر لأنه أخذ بالأسباب، وهذا اسمه عطاء الربوبية وهو عطاء عام لكن مَن خلق الله، مؤمناً كان أو كافراً، عاصيًّا أو طائعاً، لكن عطاء الألوهية يكون في اتباع المنهج ب(افعل ولا تفعل) وهذا خاص بالمؤمنين، فإذا ما أحسنوا استعمال أسباب الحياة في السنن الكونية. يأخذون حظهم منها، والكافرون أيضاً يأخذون حظهم منها، إذا أحسنوا الأخذ بالأسباب؛ ويكون ذلك بتخليد الذكرى وإقامة التماثيل لهم. وأخذ المكافآت والجوائز وحفلات التكريم. أما جزاء الآخرة فيأخذه من عمل لرب الآخرة، أما من لم يفعلوا من أجل لقاء الله فهو سبحانه يقول في حقهم: {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].


وكذلك يقول: {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً...} [النور: 39].
فالكافرون مثلهم مثل الظمآن الذي يسير في صحراء ويخيل له أن أمامه ماء، ويمشي ويمشي فلا يجد ماء.
أما غير الظمآن فلا يهمه إن كان هناك ماء أو لا يوجد ماء، فالظمآن ساعة يرى السراب يمني نفسه بأن المياه قادمة وأنه سيحصل عليها. {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً...} [النور: 39].


وليس المهم أنه لم يجده شيئاً، بل يفاجأ: {وَوَجَدَ الله عِندَهُ}. إنه يفاجأ بأن الإِله الذي كان لا يصدق بأنه موجود يجده أمامه يوم القيامة فيوفيه حسابه ويجزيه على عمله القبيح. إذن فإن عمل الإِنسان عملاً فلينتظر الأجر ممن عمل له، وإن عمل الإِنسان عملاً وليس في باله الله فعليه ألاّ يتوقع الأجر منه، وعلى الرغم من ذلك يعطي الله لهؤلاء الأجر في قانون نواميس الحياة الكونية؛ لأن من يحسن عملاً يأخذ جزاءه عنه. {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 147].
هم إذن كذبوا بآيات الله، وكذبوا باليوم الآخر، ولم يعملوا وفق منهج الإِيمان، فلهم جزاء وعقاب من الحق الذي أنزل هذا المنهج، ولكنّهم أعرضوا عنه وكذبوه.
ولذلك يقول سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 103-104].




نداء الايمان



تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)145-147( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ








الكلمات الدلالية (Tags)
آيَاتِيَ, الأعراف)145-147(, الشعراوى(سورة, الْأَرْضِ, الَّذِينَ, تفسير, يَتَكَبَّرُونَ, سَأَصْرِفُ, عَنْ, فِي


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)50-53(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا... ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 03-17-2023 07:47 AM
تفسير الشعراوى(سورة الأعراف)44-49(من هم أصحاب الأعراف ؟) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 03-16-2023 05:11 AM
تفسير الشيخ الشعراوى(سورة الأنعام)164-165(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ..) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 03-02-2023 06:12 AM
تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) الآية 54 {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ .. ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 1 10-20-2022 09:23 PM
تفسير الشعراوى( سورة النساء) الآيتين131-132{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 08-11-2022 01:46 AM


الساعة الآن 09:30 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd Trans
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل