Warning: Division by zero in [path]/includes/class_postbit.php(294) : eval()'d code on line 80
تفسير الشيخ الشعراوى (سورة الأنفال) 59-63( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) - منتدي عالمك
للنساء فقط

القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران,القران الكريم صوت,ادعية و اذكار يوجد هنا قراءة القرآن أدعية أذكار شريفة و أحاديث إسلامية,القران الكريم قراءة,انشطة حفظ القرآن الكريم و التفسير و التجويد,تنزيل القران الكريم على الجوال,القران الكريم بصوت احمد العجمي.

نسخ رابط الموضوع
https://vb.3almc.com/showthread.php?t=32570
382 0
08-17-2023
#1  

افتراضيتفسير الشيخ الشعراوى (سورة الأنفال) 59-63( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )


{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}


حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار في حرب، قُتل فريق من الكفار، وأُسر فريق آخر منهم، وفر فريق ثالث، وأما الذين قتلوا والذين أسروا فقد أخذوا جزاءهم، والذين فروا نجوا من القتل ومن الأسر، فكأنهم سبقوا فلم يلحق بهم المسلمون الذين أرادوا أن يقتلوهم أو يأسروهم. والسبق أن يوجد شيء يريد أن يلحق بشيء أمامه فيسبقه؛ ولا يستطيع اللحاق به. فكأن الكفار عندما فروا سبقوا المسلمين الذين لو لحقوا بهم لقتلوهم أو أسروهم.


الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا هو ظاهر ما حدث، ولكن الحقيقة التي يريدنا الله عز وجل أن نفهمها هي أن هؤلاء الكفار الذين فروا وسبقوا، ولم تلحقهم أيدي المسلمين، هؤلاء لا يعجزون الله تعالى ولا يخرجون عن قدرته سبحانه وتعالى وسوف يأتيهم العذاب في وقت لاحق، إما بانقضاء الأجل وإما في معركة ثانية.
وعادة نجد أن كلاً من السابق والمسبوق يستخدم أقصى قوته، الأول ليفر والثاني ليلحق به. ولذلك عندما تراهما فقد تتعجب من القوة التي يجري كل منهما بها، وهذه هي الطبيعة الإنسانية، فساعة الأحداث العادية يكون للإنسان قوة وقدرة. وساعة الأحداث المفاجئة تكون له أي للإنسان ملكات أخرى. فإذا غرقت سفينة في البحر مثلاً وتعلق واحد من ركابها بقطعة خشب من حطام السفينة، تجده يسبح لفترة طويلة دون أن يشعر بالتعب. فإذا وصل إلى الشاطيء خارت قواه.

ولقد عرفنا سر ذلك عندما اكتشف علم وظائف الأعضاء أن الإنسان عنده غدة فوق الكلي هي الغدة الكظرية، إذا وقع في مأزق مفاجيء تفرز مادة (الادرينالين) وهذه مادة يمكن أن تعطيه عشرة أضعاف قوته، ولكن إذا زال الخطر تتوقف الغدة عن إفراز هذه المادة إلا بالنسبة التي يحتاجها الجسم، ولذلك تجد الإنسان الذي يضارع الموج في البحر تمده هذه الغدة بالوقود، فإذا وصل إلى الشاطيء توقفت الغدة عن الإفراز الزائد المناسب للخطر فتخور قواه وربما يظل ثلاثة أيام نائماً من التعب.


وهناك قصة خيالية رمزية تروى عن صائد أرسل كلبه يجري وراء غزال ليأتيه به، والكلب يجري يريد اللحاق بالغزال، والغزال يجري طلباً للنجاة، وفجأة التفت الغزال إلى الكلب وقال له: لن تلحقني؛ لأني أجري لحساب نفسي وأنت تجري لحساب صاحبك.
فمن يفعل شيئاً لينجو بنفسه يكون قوياً. وقول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59].
أي إنهم في قبضة المشيئة لا يخرجون عن قدرة الله الذي سيحضرهم ويحاسبهم.
وبعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عمن حارب، ومن عاهد وغدر، ومن فر وسبق، ومن يريد أن يلحق به، أراد أن ينبهنا إلى حقيقة هامة وهي ألا نقصر في إعدادنا للقوة التي تعيننا على ملاقاة الأعداء وقت الحرب أو حتى تأتينا الحرب؛ لأننا قد نفاجأ بها فلا نستطيع أن نستعد، ولذلك لا يجب أن يقتصر استعدادنا للقتال إلى أن تأتي ساعة القتال ذاتها، لا، بل يجب أن نستعد سلماً وحرباً. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ...}





{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}


وقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ} يعني أن يكون الإعداد لكل من تحدث عنهم، وهم الذين قاتلوا وقتلو وأصاب أهلهم ضرورة الثأر لمقتلهم، والذين أسروا، والذين نقضوا العهد نقضاً أكيداً أو نقضاً محتملاً، كل هؤلاء لابد أن تعد لهم ما جاء به قول الحق تبارك وتعالى: {مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل}
وهذا تكليف من الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يجاهدون لإعلاء كلمته بضرورة أن يعدوا دائماً قدر إمكانهم ما استطاعوا من قوة.



ولماذا قدر استطاعتهم؟
لأن الإنسان محدود بطاقة، ووراء قدرة المؤمنين قدرة الله سبحانه. ولذلك أنت تعد قدر ما تستطيع ثم تطلب من الله أن يعينك. وإذا ما صنعت قدر استطاعتك، إياك أن تقول: إن هذه الاستطاعة لن توصلني إلى مواجهة ما يملكه خصمي من معدات يمكن أن يهاجمني بها، فخصمك ليس له مدد من السماء إنما أنت لك المدد السماوي، وما دام لك هذا المدد فقوتك بمدد الله تجعلك الأقوى مهما كان عدوك، ولذلك عندما يحدث الله تعالى المؤمنين يوضح لهم: إياكم أن تخافوا من كثرة عدد عدوكم، والمطلوب منكم أن تعدوا له ما استطعتم من قوة وحتى أطمئنكم أني معكم، تذكروا آية واحدة أنزلتها، وهي: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} [آل عمران: 151].
وساعة يلقي الله عز وجل في قلوب الذين كفروا الرعب سيلقون سلاحهم ويفرون من ميدان القتال ولو كانوا يحاربون بأقوى الأسلحة، وسيتمكن المؤمنون منهم وينتصرون عليهم بأية قوة أعدوها.



وقوله تعالى: {مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ}
هذه القوة قد تكون ذاتية في النفس بحيث لا تخاف شيئاً، فجسم كل مقاتل قوي ممتليء بالصحة وله عقل يعمل باقتدار وإقبال على القتال في شجاعة، بالإضافة إلى قوة السلاح بأن يكون سلاحاً حديثاً متطوراً بعيد المدى، وأن يحرص المؤمنون على امتلاك كل شيء موصول بالقوة. وكان الهدف قديماً وحديثاً أن يمتلك المقاتل قوة تمكنه من عدوه ولا تمكن عدوه منه. وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مدى رمي السهام هو رمز القوة. فأول ما تبدأ الحرب يضربون العدو بالنبال، فإذا زحف العدو وتقدم يستخدمون له الرماح، فإذا تم الالتحام كان ذلك بالسيوف. وكانت أحسن قوة في الحرب هي السهام التي ترمي بها خصمك فتناله وهو بعيد عنك، ولا يستطيع أن ينالك أو يقترب منك. ولذلك عندما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة قال فيما يرويه عنه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ( {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} ثم قال: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي).
لأنك بالرمي تتمكن من عدوك ولا يتمكن هو منك، فإذا تفوقت في الرمي كنت أنت المنتصر عليه.




ولكن كيف ينطبق ذلك على الحرب في العصر الحديث بعد أن تطورت الأسلحة الفتاكة؟ لقد صارت المدفعية لفترة من الزمن هي السلاح؛ لأنها المحقق للنصر لبعد مداها، ثم جاءت الطائرات لتصبح هي السلاح الأقوى؛ لأنها تستطيع أن تقطع مسافة طويلة وتلقي بقنابلها وتعود. وصارت قوة الطيران هي التي تحدد المنتصر في الحرب؛ لأنها تلحق بالعدو خسائر جسيمة دون أن يستطيع هو أن يرد عليها ما دام غير متفوق في الطيران، ثم بعد ذلك جاءت الصواريخ والصواريخ عابرة للقارات، إلى آخر الأسلحة المتطورة التي تتسابق على اختراعها الدول الآن، وكلها أسلحة بعيدة المدى، والهدف أن تنال كل دولة أرض عدوها ولا يستطيع هو أن ينال أرضها.


ويضيف الحق تبارك وتعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الخيل} [الأنفال: 60].
ورباط الخيل هو القوة التي تحتل الأرض، فمهما بلغت قدرتك في الرمي فأنت لا تستطيع أن تستولي على أرض عدوك، ولكنَّ راكبي الخيل كانوا يدخلون المعركة في الماضي بعد الرمي ليحتلوا الأرض. وهذه عملية تقوم بها المدرعات الآن. فالمعركة تبدأ اولاً رمياً بالصواريخ والطائرات حتى إذا حطمت قوة عدوك انطلقت المدرعات لتحتل الأرض، فالطائرات والصواريخ تهلك العدو وتحطمه ولكنها لا تأخذ الأرض. ولكن الذي يمكننا من الأرض والاستيلاء عليها هو: رباط الخيل، أو المدرعات، ورباط الخيل هو عقده للحرب، أي أن الخيل تُعد وتُعلف وتدرب وتكون مستعدة للحرب في أية لحظة، تماماً كما تأتي للمدرعات وتعدها إعداداً جيداً بالذخيرة، وتصلح ماكيناتها وتتدرب عليها لتكون مستعداً للقتال في أي لحظة. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خير معاش الناس لهم رجل يمسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعةً أو فَزْعةً طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانَّه، ورجل في غنيمة في شَعَفَة من هذه الشعفاء وبطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير».


أي أنه لا ينتظر بل ينطلق لأي صيحة. ومن الإعجاز في الأداء القرآني أنه أعطانا ترتيباً للحرب، فالحرب أولاً تبدأ بهجوم يحطم قوى العدو بالرمي، سواء كان بالصواريخ أم بالطائرات أم بغيرهما، ثم بعد ذلك يحدث الهجوم البري، ولا يحدث العكس أبداً. ورتب الحق سبحانه وتعالى وسائل استخدام القوة أثناء القتال، فهي أولاً الرمي، وبه نهلك مَكيناً ثم نستولي على المكان، وكان ذلك يتم برباط الخيل الذي تقوم مقامه المدرعات الآن.
ونجد أن الحق سبحانه وتعالى جاء في القرآن الكريم بالأداء الذي يعلم ما تأتي به الأيام من اختراعات الخلق، ونجد في زماننا هذا كل قوة للسيارة أو المدرعة أو الدبابة إنما تقاس منسوبة إلى الخيل، فيقال قوة خمسة أحصنة أو خمسمائة حصان.


ويقول المولى سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
فالقصد- إذن- من إعداد هذه القوة هو إرهاب العدو حتى لا يطمع فيكم؛ لأن مجرد الإعداد للقوة، هو أمر يسبب رهباً للعدو. ولهذا تقام العروض العسكرية ليرى الخصم مدى قوة الدولة، وحين تبين لخصمك القوة التي تملكها لا يجتريء عليك، ويتحقق بهذا ما نسميه بلغة العصر (التوازن السلمي). والذي يحفظ العالم الآن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو التوازن السلمي بين مجموعات من الدول، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي المكلف للحرب، فالقوة الآن لا تقتصر على السلاح فقط، ولكن تعتمد القوة على عناصر كثيرة منها الاقتصاد والإعلام وغيرهما. وصار الخوف من رد الفعل أحد الأسباب القوية المانعة للحرب. وكل دولة تخشى مما تخفيه أو تظهره الدولة الأخرى.
وهكذا صار الإعداد للحرب ينفي قيام الحرب.



{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
ولا تظنوا أن من يواجهونكم هم أعداء الله فقط وقد سلطكم سبحانه عليهم، لا بل عليكم أن تعرفوا أت أعداء الله هم أعداؤكم أيضاً؛ لأنهم يفسدون الحياة على المؤمنين. وعدو الله دائماً يحاول أن ينال من المؤمين. وأن ينكل بهم، وأن يجبرهم إن استطاع على الكفر وأن يغريهم على ذلك. فالحق سبحانه وتعالى لا يغضب؛ لأنهم لم يؤمنوا به، بل لأنهم لا يطبقون المنهج الذي يسعد الإنسان على الأرض، فسبحانه وتعالى لا يكرههم ولكن يعاقبهم بسبب الإفساد في الأرض وبغيهم وطغيانهم.
{وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].
وهذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى إلى أن أعداء المسلمين ليسوا هم فقط الذين ظهروا أثناء الرسالة من كفار قريش واليهود والمنافقين وغيرهم، ولكنَّ هناك خلقاً كثيراً سيأتون بعد ذلك لا تعلمونهم أنتم الآن ولكنَّ الله سبحانه وتعالى يعلمهم، كما يلفتنا سبحانه إلى أن أعداء المسلمين ليسوا هم الذين يظهرون في ميدان القتال فقط ليحاربوا المسلمين، ولكنَّ هناك كثيراً ممن لا يظهرون في ميدان القتال يحاربون دين الله ويحاربون المسلمين. وقد ظهر معنى هذه الآية الكريمة، ولا يزال يظهر للمسلمين، فظهرت عداوة الفرس والروم وحربهم ضد المسلمين، وظهرت عداوة الصليبيين وغيرهم. ومع الزمن سوف يظهر من يعلمهم الله ولا نعلمهم نحن. وقد جاءت أحداث الحياة لتؤكد دقة تعبير القرآن الكريم.



ثم يتناول الحق سبحانه وتعالى هواجس النفس البشرية، وهي تنصت لهذه الآيات من الإعداد العسكري، فالذي يخطر على البال أولاً أن مثل هذا الإعداد يتطلب مالاً، ويتطلب جهداً، ويتطلب زمناً فوق الزمن لقضاء المصالح والحوائج. فإياكم أن تنكصوا عن الاستعداد؛ لأن كل ما تنفقونه في سبيل الله محسوب عند الله. وإياكم أن تقولوا: إنّ الإعداد لقوة المجتمع يحتاج مالاً ويقتر على الأبناء؛ لأن الله يرزقكم. ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].


أي أن ما تنفقونه مما يقال له: شيء سواء أكان قليلاً أم كثيراً يرد إليكم، ولقد جاء التعبير ب {مِّن شَيْءٍ} في قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} أي مما يقال له شيء. ولو جاءت الآية: غنمتم شيئاً، لما شملت الأشياء البسيطة، ولكن قوله تعالى: {مِّن شَيْءٍ} أي من بداية ما يقال له شيء، حتى قالوا: إن الخيط الذي يوجد عند العدو لابد أن يذهب للغنائم،


وقوله تبارك وتعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله} [الأنفال: 60].
يعني أي شيء تنفقونه في سبيل الله تعالى مدخر لكم ما دمتم أنفقتموه وليس في بالكم إلا الله عز وجل. أما الإنفاق الذي ظاهره لله وحقيقته للشهرة أو الحصول على الثناء أو للتفاخر أو لقضاء المصالح. فكل ذلك اللون من الإنفاق خارج عن الإنفاق في سبيل الله، لكن الإنفاق في سبيل الله سيرده الله لكم مصداقاً لقوله تعالى: {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونََ}
أي أن ما تنفقونه في سبيل الله لا ينقص مما معكم شيئاً.
على أن الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نأخذ طريق العدل وليس طريق الافتراء؛ لذلك يطلب منا عز وجل ألا يطغينا هذا الاستعداد للحرب على خلق الله، فما دام لدينا استطاعة وأعددنا قوتنا وأسلحتنا فليس معنى ذلك أن نصاب بالغرور ونجترئ على خلق الله؛ ولهذا فإن الله عز وجل


{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}


أي أن الله لم يطالبنا بأن نكون أقوياء لنفتري على غيرنا، فهو لا يريد منا إعداد القوة للاعتداء والعدوان، وإنما يريد القوة لمنع الحرب ليسود السلام ويعم الكون؛ لذلك ينهانا سبحانه وتعالى أن يكون استعدادنا للقتال وسيلة للاعتداء على الناس والافتراء عليهم. ولهذا فإن طلب الخصم السلم والسلام صار لزاماً علينا أن نسالمهم. وإياك أن تقول: إن هذه خديعة وإنهم يريدون أن يخدعونا؛ لأنك لا تحقق شيئاً بقوتك، ولكن بالتوكل على الله عز وجل والتأكد أنه معك، والله عز وجل يريد الكون متسانداً لا متعانداً. وهو سبحانه وتعالى يطلب منك القوة لترهب الخصوم. لا لتظلمهم بها فتقاتلهم دون سبب. وقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} [الأنفال: 61].
أي إن مالوا إلى السلم ودعوك إليه فاتجه أنت أيضاً إلى السلم، فلا داعي أن تتهمهم بالخداع أو تخشى أن ينقلبوا عليك فجأة؛ لأن الله تعالى معك بالرعاية والنصر، وأنت من بعد ذلك تأخذ استعدادك دائماً بما أعددته من قوتك.



وقول الحق: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} [الأنفال: 61].
أي إياك أن تتوكل أو تعتمد على شيء مما أعددت من قوة؛ لأن قصارى الأمر أن تنتهي فيه إلى التوكل على الله فهو يحميك. ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى حيثية ذلك فيقول: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} [الأنفال: 61].
أي أنه لا شيء يغيب عن سمعه إن كان كلاماً يقال، أو عن علمه إن كان فعلاً يتم. وإياك أن تخلط بين التوكل والتواكل، فالتوكل محله القلب والجوارح تعمل؛ فلا تترك عمل الجوارح وتدعي أنك تتوكل على الله، وليعلم المسلم أن الانتباه واجب، وإن رأيت من يفقد يقظته لابد أن تنبهه إلى ضرورة اليقظة والعمل، فالكلام له دور هنا، وكذلك الفعل له دور؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} [الأنفال: 61].
ولنلحظ أن قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} [الأنفال: 61].
هذا القول إنما جاء بعد قوله تعالى:
{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
وهي آية تحض على الاستعداد للقتال بإعداد العدة له.



ويريد الحق تبارك وتعالى أن ينبهنا إلى قوة المؤمنين واستعدادهم الحربي يجب ألا يكونا أداة للطغيان، ولا للقتال لمجرد القتال. ولذلك ينبهنا سبحانه وتعالى إلى أنهم لو مالوا إلى السلم فلا تخالفهم وتصر على الحرب؛ لأن الدين يريد سلام المجتمع، والإسلام لا ينتشر بالقوة وإنما ينتشر بالإقناع والحكمة. فلا ضرورة للحرب في نشر الإسلام؛ لأنه هو دين الحق الذي يقنع الناس بقوة حجته ويجذب قلوبهم بسماحته، وكل ذلك لشحن مدى قوة الإيمان، لنكون على أهبة الاستعداد لملاقاة الكافرين، ولكن دون أن تبطرنا القوة أو تدعونا إلى مجاوزة الحد، فإن مالوا إلى السلم، علينا أن نميل إلى السلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يريد سلامة المجتمع الإنساني. وإن كنتم تخافون أن يكون جنوحهم إلى السلم خديعة منهم حتى نستنيم لهم، ثم يفاجئونا بغدر، فاعلم أن مكرهم سوف يبور؛ لأنهم يمكرون بفكر البشر، والمؤمنون يمكرون بفكر من الحق سبحانه وتعالى



{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)}


فإذا أحسست أن مبادرة السلم التي يعرضونها عليك هي مجرد خديعة حتى يستعدوا لك ويفاجئوك بغدر ومكر، فاعلم أن الله تعالى عليم بمكرهم، وأنه سيكشفه لك، وما دام الله معك فلن يستطيعوا خداعك، وإذا أردت أن يطمئن قلبك فاذكر معركة بدر التي جاءك النصر فيها من الله تعالى وتمثلت أسبابه المرئية في استعداد المؤمنين للقتال ودخولهم المعركة. وتمثلت أسبابه غير المرئية في جنود لم يرها أحد، وفي إلقاء الرعب في قلوب الكفار، وكان النصر حليفك بمشيئة الله تعالى:
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ}



والخداع هو إظهار الشيء المحبوب وإبطان الشيء المكروه، وتقول: (فلان يخادعني) أي يأتي بشيء أحبه، ويبطن لي ما أكرهه، ولأن الخداع في إخفاء ما هو مكروه، وإعلان ما هو محبوب، فهل أنت يا محمد متروك لهم، أم أن لك ربا هو سندك، وهو الركن الركين الذي تأوي إليه؟. وتأتي الإجابة من الحق سبحانه وتعالى: {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} [الأنفال: 62].


إذن فالله سبحانه وتعالى حسبك وسندك وهو يكفيك؛ لأنه نصرك وآزرك. وأنت ترى أن هذه قضية دليلها معها، فقد نصرك ببدر رغم قلة العدد والعُدد.
والتأييد تمكين بقوة من الفعل ليؤدى على أكمل وجه وأحسن حال، وما دام الله عز وجل هو الذي يؤيد فلابد أن يأتي الفعل على أقوى توكيد ليؤدي المراد والغاية منه.




{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}


والتأييد هنا عناصره ثلاثة: الله يؤيد بنصره، والله يؤيد بالمؤمنين، والله يؤلف بين قلوب المؤمنين. والتأليف بين القلوب جاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل لقوم لهم عصبية وحمية، وهم قبائل متفرقة تقوم الحروب بينهم لأتفه الأسباب؛ لأن عناصر التنافر موجودة بينهم أكثر من عناصر الائتلاف.
إن القبيلة مجتمعة تهب للدفاع عن أي فرد فيها مهما كانت الأسباب والظروف، حتى إنه ليكفي أن يسب واحد من الأوس مثلاً واحداً من الخزرج لتقوم الحرب بين القبيلتين، ولو أن القلوب ظلت على تنافرها لما استطاعت هذه القبائل أن تواجه أعداء الإسلام، ولشغلتها حروبها الداخلية عن نصرة الدين والدفاع عنه ومواجهة الكفار. ولكن الله ألف بينهم، وبعد أن كانوا أعداءً أصبحوا أحباباً. وبعد أن كانوا متنافرين أصبحوا متوادين.
وهكذا ألف الله بين قلوب المسلمين بحيث أصبح الإسلام في قلوبهم وأعمالهم وأسلوب حياتهم هو أقوى رابطة تربط بينهم. فأصبحت أخوة الدين أقوى من أخوة النسب. وحين تتآلف القلوب؛ فهذا أقوى رباط؛ لأن كل عمل يقوم به الإنسان إنما ينشأ عن عقيدة في القلب.



إن القلب هو مصدر النية التي يتبعها السلوك، فالذي يحرك إنساناً مَوْتوراً منك ويثير جوارحه ضدك، إنما هو القلب، فإن وجدت إنساناً يعبس في وجهك فافهم أن في قلبه شيئاً، وإن لقيته وحاول أن يضربك فافهم أن في قلبه شيئاً أكبر، وإن حاول أن يقتلك، يكون في قلبه شعورٌ أعمق بالبغض والكراهية.


إذن فالينبوع لكل المشاعر هو القلب. ولذلك نرى الإنسان يُضَحِّي بكل شيء وربما ضحَّى بحريته وبماله في سبيل ما آمن به واستقر في قلبه، ونحن نرى العلماء في معاملهم يعيشون سنوات طويلة ويحرمون أنفسهم من متع الحياة الدنيا لأن العلم قد تحول إلى عقيدة في قلوبهم سواء أكانوا مسلمين أم غير ذلك، فكانما نية القلب وما يستقر فيها هي أقوى ما في الحياة.
ثم يبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا فضل عظيم منه أن ألف بين قلوب المؤمنين؛ فيقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً ما أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63].



والتأليف بين القلوب هو جماع التواد والمساندة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه عنه النعمان بن بشير رضي الله عنهما: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله).
والحديث بتمامه: (انّ الحلال بِّين وإن الحرام بَيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
ولم تكن المسألة في تأليف القلوب مسألة احتياج إلى مال؛ لأن المال لا يمكن أن يعطي الحب الحقيقي، ولذلك فهناك بين الناس ارتباط مصالح وارتباط قلوب، وارتباط المصالح ينتهي بمجرد أن تهتز أو تنتهي هذه المصالح، لكن ارتباط القلوب يتحدى كل الأزمات، وأنت لا تستطيع أن تجعل إنساناً يحبك حقيقة مهما أعطيته من مال؛ لأن الحب الحقيقي لا يشترى ولا يباع، إنما يشترى النفاق والتظاهر وغير ذلك من المشاعر السطحية. والعرب الذين ألف الله بين قلوبهم لم يكن يهمهم المال بقدر ما تهمهم الحمية والعصبية، فغالبيتهم يملكون الثروات، ولكن الفُرْقة فيما بينهم نابعة من الحمية والعصبية التي تجعل في القلوب غلاً وحسداً وحقداً؛ لذلك تنفعل جوارحهم. يقول الحق تبارك وتعالى: {ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63].
وما دام الله سبحانه وتعالى له عزة فهو لا يغلب، وما دام حكيماً فهو يضع الأمور في مكانها السليم، والله سبحانه وحده هو القادر على أن يجعل القلوب تتآلف؛ لأن القلوب في يد الرحمن يقلبها كما يشاء، لذلك ندعو بدعاء رسول الله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، فعن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة رضي الله عنها يا أم المؤمنين ما أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
وسبحانه وتعالى يقول: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24].
ثم يعطينا الله سبحانه وتعالى قضية إيمانية فيقول: {ياأيها النبي حَسْبُكَ الله...}.




نداء الايمان








الكلمات الدلالية (Tags)
(سورة, ), 59-63(, مَا, لَهُمْ, مِنْ, الأنفال), الصحى, الشعراوى, اسْتَطَعْتُمْ, تفسير, وَأَعِدُّوا, قُوَّةٍ


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير الشعراوى (سورة الأنفال)41(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 08-09-2023 06:35 PM
تفسير الشيخ الشعراوى (سورة الأنفال) 31-32 امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 08-07-2023 06:35 PM
تفسير الشيخ الشعراوى (سورة الأنفال) 5-8 امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 07-15-2023 08:28 PM
تفسير الشيخ الشعراوى(سورة االمائدة) الآية 4( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 1 09-16-2022 08:27 PM
تفسير الشيخ الشعراوى(سورة النساء) آية 53 {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ...) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 06-17-2022 05:17 AM


الساعة الآن 06:35 AM.


Powered by vBulletin Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd Trans
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل