مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" [البقرة:174-175]
﴿ﭐ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥ ﴾ [البقرة: 174-175]
السؤال الأول:
قوله تعالى: ﴿ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ﴾ ما الذي أخذوه؟ وما الذي تركوه؟
الجواب:
القاعدة تقول: إنّ الباء مع الذاهب، كأنْ تقول: اشتريت الكتاب بألف، فالذاهب هو المال والمشترى هو الكتاب.
وفي الآية اشتروا الضلالة وخسروا الهدى، واشتروا العذاب وخسروا المغفرة، نسأل الله العافية.
السؤال الثاني:
ما نوع الاستفهام في الآية: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ هو استفهام للتعجب بقصد التوبيخ، والمعنى: ما الذي أصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل.
2ـ للتعجب صيغتان: ما أفعَلَه، وأَفعِل به.
شواهد قرآنية:
﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ [البقرة:175].
﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ﴾ [مريم:38].
السؤال الثالث:
ما إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾ وإعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾؟
الجواب:
1ـ إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾:
ما: اسم نكرة للتعجب بمعنى: شيء عظيم، في محل رفع مبتدأ.
أصبرَ: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هم، والهاء مفعول به، والجملة: خبر (ما).
2ـ إعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾:
أسمِع: فعل ماض جامد، جاء على صورة الأمر، مبنيٌّ على الفتح المقدر.
بهم: الباء حرف جر زائد، والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
السؤال الرابع:
ما أهم دلالات هاتين الآيتين؟
الجواب:
1ـ مضمون الآية (174) أنّ هناك وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله، لا سيّما خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، ابتغاء عرض دنيوي.
2ـ الآية وردت في رؤساء اليهود كانوا يأخذون من اتباعهم الهدايا على سبيل الرشوة، فلمّا بُعث النبي عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر وصف محمد عليه السلام في التوراة والإنجيل، وكتموا أمر شرائعه، عن طريق التحريف والتأويلات الباطلة.
3 ـ سماه: ﴿ثَمَنٗا قَلِيلًا﴾ إمّا أنه في نفسه قليل، أو هو فعلاً قليل مهما كثر مقابل ما سيصيبهم من الضرر العظيم والعذاب.
4ـ قوله تعالى: ﴿فِي بُطُونِهِمۡ﴾ أي ملء بطونهم، وهم وإنْ كان أكلهم لها في الدنيا كان طيباً في الحال، لكنّ عاقبته في النار في المآل.
5 ـ توعّدهم الله تعالى بثلاثة أشياء:
آ ـ غضب الله عليهم فلا يكلمهم يوم القيامة.
ب ـ عدم تزكية نفوسهم وعدم طهارتهم من دنس ذنوبهم.
ج ـ العذاب الأخروي الأليم.
6ـ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية وإنْ نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئاً من أمر الدين يجب إظهاره.
7 ـ الآية (175) يعجب الله من إقدامهم على هذا المصير المؤلم، فما أجرأهم على النار!!!وما أشد احتمالهم لها!!! وهذا التعجب هو من باب الاستهانة والاستخفاف بهم. والله أعلم.
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ﴾[البقرة: 176]
السؤال الأول:
ما دلالة الوصف بالبعيد في هذه الآية؟
الجواب:
تأمل كيف وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بـــ (كبير أو عظيم)، أو ما شابه ذلك من أوصاف، وفي ذلك مجاز عقلي يعطينا عمقاً آخر وتصوراً لبُعد صاحبه عن الوفاق، وبياناً للهوّة الواسعة التي يسقط فيها أولئك المختلفون في الكتاب، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما وقع فيه البشر فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم، ومن هنا كانت شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا ما عبّرت عنه الآية بوصف الشقاق بأنه بعيد.
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ إنّ كتاباً مثل القرآن الكريم أنزله الله بالحق لهو جديرٌ أن يلجأ العبد إلى ربه لجوء المضطر أن يهديه إلى أن يفني عمره في تدبره والعمل به.
2 ـ هذه الآية تشير إلى العذاب الذي استحقوه بسبب أنّ الله نزّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين فكفروا به، وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب في الإيمان ببعضه والكفر ببعضه، واختلفوا أيضاً في كيفية تحريف كتابهم ليخفوا ما في مصلحتهم أن يخفوه لفي شقاق ومنازعة، وكلٌ يكذّب صاحبه.
3 ـ وقد وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بكبير أو عظيم، ليصوّر لنا أنّ الشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما سقط فيه أولئك المختلفون في الكتاب فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم لأنّ شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.
مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين
إقرئي المزيد :
من مواضيع : امانى يسرى محمد