*"
مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ".سورة النمل 89
تفسير بن كثير*
ثم بين الله تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: (من جاء بالحسنة فله خير منها)* - قال قتادة: بالإخلاص،* وقال زين العابدين: هى لا إله إلا الله - وقد بين فى المكان الآخر أن له عشر أمثالها (وهم من فزع يومئذ آمنون)، كما قال فى الآية الأخرى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر)* [الأنبياء: 03 ]، وقال: (أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة)* [فصلت: 40 ]، وقال: (وهم فى الغرفات آمنون)* [ سبأ: 37 ].**
تفسير الطبرى
يقول تعالى ذكره: (مَنْ جَاءَ)* الله بتوحيده والإيمان به, وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه (فَلَهُ)* من هذه الحسنة عند الله (خَيرٌ)* يوم القيامة, وذلك الخير أن يثيبه الله (مِنْهَا)* الجنة, ويؤمنِّه (مِنْ فَزَعٍ) الصيحة الكبرى وهى النفخ فى الصور، (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ)* يقول: ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه, وجحود وحدانيته (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ)* فى نار جهنم.
وبنحو الذى قلنا فى ذلك, قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنى محمد بن خلف العسقلاني, قال: ثنى الفضل بن دكين, قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي, قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هُريرة- قال يحيى: أحسبه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ
فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)* قال: وهى لا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ)* قال: وهى الشرك.
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال: ثنا أبو يحيى الحماني, عن النضر بن عربيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس، فى قوله: (مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ
فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)* قال: من جاء بلا إله إلا الله,( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ)، قال: بالشرك.
حدثنى عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس, قوله: (مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)* يقول: من جاء بلا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ)* وهو الشرك.
تفسير القرطبى*
قوله تعالى: من جاء بالحسنة فله خير منها قال ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما: الحسنة: لا إله إلا الله.* وقال أبو معشر: كان إبراهيم يحلف بالله الذى لا إله إلا هو ولا يستثنى أن الحسنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله.* وقال على بن الحسين بن على رضى الله عنهم: غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو فى أرض الروم فى أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له: والذى نفسى بيده إنها الكلمة التى قال الله تعالي: من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال: قلت: يا رسول الله أوصنى، قال: اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات: لا إله إلا الله ؟ قال: من أفضل الحسنات وفى رواية قال: نعم هى أحسن الحسنات.* ذكره البيهقى، وقال قتادة: من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد.* وقيل: أداء الفرائض كلها.*
قلت: إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه فى سورة (إبراهيم)* فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض.* فله خير منها قال ابن عباس: أى وصل إليه الخير منها، وقاله مجاهد وقيل: فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس (خير)* للتفضيل.* قال عكرمة وابن جريج: أما أن يكون له خير منها يعنى من الإيمان فلا، فإنه ليس شيء خيرا ممن قال: لا إله إلا الله، ولكن له منها خير.* وقيل: فله خير منها للتفضيل، أى ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره، وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد، قاله ابن عباس وقيل: يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا ; وبالإيمان فى مدة يسيرة الثواب الأبدي.* قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد وهم من فزع يومئذ آمنون قرأ عاصم وحمزة والكسائى (فزع يومئذ)* بالإضافة.* قال أبو عبيد: وهذا أعجب إلى لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وإذا قال: من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع.* قال القشيري: وقرئ: (من فزع)* بالتنوين ثم قيل يعنى به فزعا واحدا كما قال: لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل: عنى الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة.*
قلت: فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى.* قال المهدوي: ومن قرأ: (من فزع يومئذ)* بالتنوين، انتصب (يومئذ)* بالمصدر الذى هو (فزع)* ويجوز أن يكون صفة ل (فزع)* ويكون متعلقا بمحذوف ; لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها، ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذى هو (آمنون)،* والإضافة على الاتساع فى الظروف، ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان، وليس الإعراب فى ظرف الزمان متمكنا، فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني.* وأنشد سيبويه:
على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب.
تفسير البغوى
(من جاء بالحسنة)* بكلمة الإخلاص، وهى شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو معشر: كان إبراهيم يحلف ولا يستثني: أن الحسنة لا إله إلا الله.* وقال قتادة: بالإخلاص.* وقيل: هى كل طاعة (فله خير منها)* قال ابن عباس: فمنها يصل الخير إليه، يعني: له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والأمن من العذاب، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان فلا لأنه ليس شيء خيرا من قوله لا إله إلا الله.* وقيل: فله خير منها يعني: رضوان الله، قال تعالى: " ورضوان من الله أكبر " (التوبة - 72) ، وقال محمد بن كعب، وعبد الرحمن بن زيد: " فله خير منها " يعني: الأضعاف، أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص، منها: أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف، ومنها: أن للشيطان سبيلا إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف، ولا مطمع للخصوم فى الأضعاف، ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى.* (وهم من فزع يومئذ آمنون)* قرأ أهل الكوفة: " من فزع " بالتنوين " يومئذ " بفتح الميم، وقرأ الآخرون بالإضافة لأنه أعم فإنه يقتضى الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وبالتنوين كأنه فزع دون فزع، ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذ.*
تفسير السعدى*
ثم بين كيفية جزائه فقال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} اسم جنس يشمل كل حسنة قولية أو فعلية أو قلبية {
فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } هذا أقل التفضيل
{وَهُمْ مِنْ
فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي: من الأمر الذى فزع الخلق لأجله آمنون وإن كانوا يفزعون معهم